شباب تونس بين أحلام الهجرة وفرص الوطن


يحيا الشباب التونسي اليوم بين مفترق طرق حاسم، ما بين حلم الهجرة بحثًا عن مستقبل أكثر استقرارًا وفرص عمل مجزية، وبين الرغبة في البقاء والمساهمة في بناء وطنهم رغم الصعوبات.
هذا التردد ليس مجرد نزوة عابرة، بل يعكس واقعًا اجتماعيًا واقتصاديًا معقدًا تتداخل فيه الطموحات مع تحديات يومية ملموسة.
في هذا المقال نستعرض الدوافع التي تدفع الشباب للتفكير في الهجرة، ونكشف التحديات التي تواجههم داخل تونس. كما نسلط الضوء على الفرص الحقيقية الموجودة، مع تقديم قصص نجاح ملهمة تلهم الجيل الجديد وتبرز خيارات متعددة للمستقبل.
أسباب هجرة الشباب التونسي وتغير نظرتهم للفرص
الكثير من الشباب في تونس يجد نفسه في مفترق طرق بين البقاء أو الهجرة، مدفوعًا برغبة قوية في تحسين ظروفه المعيشية وتحقيق أحلامه.
يبحث العديد عن فرص عمل تضمن لهم دخلاً مستقراً، خاصة مع صعوبة الحصول على وظائف تناسب مؤهلاتهم داخل البلاد.
من جهة أخرى، يزداد الحلم بالاستقرار المالي وتأمين مستقبل أفضل، وهو ما يدفع البعض إلى التفكير في خوض تجربة جديدة خارج حدود الوطن.
هذه الرغبات لا ترتبط فقط بالجوانب الاقتصادية؛ بل تشمل أيضاً رغبة عميقة في اكتساب خبرات وثقافات مختلفة وإثبات الذات بعيداً عن التحديات المحلية.
مع تغير الأولويات، نلاحظ اهتمام الجيل الجديد بأنماط حياة مبتكرة ووسائل ترفيه حديثة لم تكن بنفس الزخم قبل سنوات.
واحدة من العلامات الواضحة لهذا التحول هو الإقبال المتزايد على المنصات الرقمية مثل كازينو اونلاين تونس.
هذه المنصات لا توفر فقط أوقات فراغ ممتعة، بل تعكس أيضًا سعي الشباب لإيجاد بدائل للترفيه والدخل بعيدًا عن النماذج التقليدية.
الواقع أن الاهتمام بالألعاب الإلكترونية والمنصات الرقمية أصبح جزءًا من الثقافة اليومية للشباب، سواء كمصدر للترفيه أو حتى كأحد مجالات العمل الجديد عبر الإنترنت.
في الوقت ذاته، تظهر هذه الاتجاهات مدى قدرة الشباب على التكيف مع المتغيرات واستكشاف فرص بديلة رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها داخل تونس.
ملحوظة: أحد أصدقائي تحدث كثيرًا عن كيف أن منصات الألعاب أضافت له منظورًا جديدًا للحياة وفتحت أمامه أبوابًا لم يكن يتخيلها يوماً، حتى لو لم تغنيه مادياً لكنها منحته مساحة من الأمل وكسر الروتين اليومي المعتاد.
العقبات الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الشباب التونسي للهجرة
يفكر كثير من الشباب في تونس جديًا بالهجرة، رغم وجود بعض الفرص داخل البلاد.
الأسباب متعددة، لكن معظمها يعود لصعوبات اقتصادية واجتماعية ملموسة تجعل فكرة البحث عن حياة جديدة أكثر إغراءً.
التحديات ليست مجرد أرقام على الورق، بل تجارب يومية يعيشها كل من يحاول بناء مستقبل مستقر داخل الوطن.
البطالة وصعوبة الحصول على عمل مستقر
البطالة تظل من أكبر المشاكل التي ترهق الشباب التونسي حتى اليوم.
العديد من الخريجين يواجهون صدمة سوق العمل حين يكتشفون أن أغلب الوظائف المتوفرة لا تتناسب مع تخصصاتهم أو طموحاتهم المهنية.
غالبًا ما ينتهي الأمر بالبحث عن فرص مؤقتة أو وظائف خارج مجال الدراسة فقط لسد الاحتياجات الأساسية، وهو ما يؤثر على الاستقرار الشخصي والمهني ويعزز الرغبة في الهجرة إلى الخارج حيث تبدو الفرص أوضح وأسرع تحقيقًا للأهداف.
الضغوط الاجتماعية وتوقعات الأسرة
الأسرة في المجتمع التونسي تضع سقف توقعات مرتفع جدًا على أبنائها، خاصة الذكور.
هذا الضغط يتضاعف حين يجد الشاب نفسه عاجزًا عن تحقيق هذه الطموحات بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
الكثير من الشباب يشعر أنه يحمل عبء المسؤولية بمفرده، وهذا يولّد حالة من القلق الدائم والدافع للبحث عن حل جذري يتمثل غالبًا في مغادرة البلاد بحثًا عن بداية جديدة أو لتحسين وضع العائلة اقتصاديًا واجتماعيًا لاحقًا.
تحديات التعليم والتكوين المهني
التعليم في تونس يُعاني فجوة حقيقية بين ما يتعلمه الطلاب وما يحتاجه سوق العمل فعليًا.
كثير من الشباب يكتشف بعد التخرج أن المهارات التي حصل عليها خلال سنوات الدراسة ليست كافية لتأمين وظيفة لائقة أو للمنافسة الفعلية داخل السوق المحلي والدولي.
حتى برامج التكوين المهني لا تغطي دائمًا متطلبات القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا والخدمات الرقمية، مما يزيد من شعور الإحباط ويجعل خيار الهجرة يبدو المخرج الأسهل لتحقيق الذات والطموح الشخصي.
فرص النجاح والبناء في تونس: نماذج ملهمة
رغم أن الهجرة تبدو الحل الأسرع للكثير من الشباب، هناك من اختاروا البقاء وصنعوا مسارات نجاح حقيقية داخل تونس.
قصصهم تعكس إصراراً على تجاوز الظروف وتحويل الصعوبات اليومية إلى مشاريع أو مبادرات أحدثت فرقاً ملموساً في مجتمعاتهم.
من بين هذه النماذج نجد رواد أعمال أطلقوا شركات ناشئة بموارد بسيطة، وشباباً أسسوا مبادرات تطوعية لرفع وعي الناس أو تحسين البيئة المحلية.
هذه النماذج لا تقتصر فقط على العاصمة؛ ففي سوسة وصفاقس وقبلي أيضاً، نسمع كل عام عن شباب استطاعوا تحويل شغفهم إلى مصدر دخل وفرص عمل للآخرين.
ريادة الأعمال والمشاريع الناشئة
خلال السنوات الأخيرة، أصبحت ريادة الأعمال خياراً واقعياً وجذاباً للكثير من الشباب التونسي.
لاحظت خلال لقاءاتي مع بعض المؤسسين الجدد أن أغلبهم انطلق بفكرة صغيرة لكنه وجد دعماً عبر برامج تمويل أو مسرعات أعمال محلية مثل Flat6Labs أو Startup Tunisia.
الكثير من هذه المشاريع ركزت على حلول تقنية بسيطة تلبي حاجات فعلية للسوق المحلي: تطبيقات توصيل الطعام في المناطق الداخلية، خدمات رقمية للحرفيين، وحتى أفكار تعتمد الطاقة النظيفة لتوفير الكهرباء في الأرياف.
أحد رواد الأعمال أخبرني كيف تحول تحدي البطالة إلى دافع للبحث عن فكرة مختلفة بدل انتظار الوظيفة التقليدية. اليوم يدير فريقاً ويمنح فرص عمل لشباب آخرين من نفس مدينته.
العمل التطوعي والمبادرات المجتمعية
في موازاة ريادة الأعمال، برزت موجة جديدة من المبادرات الشبابية التي تهدف لتحسين الواقع الاجتماعي والبيئي دون انتظار دعم حكومي كبير.
جمعيات مثل “شباب حي التضامن” و“صوت المواطن” نجحت في تحريك طاقات المئات نحو العمل التطوعي. رأيت كيف ينظم هؤلاء حملات نظافة أسبوعية أو دروس تقوية مجانية للأطفال في الأحياء الشعبية.
حتى خلال الأزمات مثل أزمة كورونا أو الحرائق الصيفية، كان الشباب أول من بادر لجمع التبرعات وتقديم الإغاثة للمحتاجين. أحد المتطوعين حدثني عن شعوره بالفخر حين شاهد أهل الحي يتغيرون إيجابياً بسبب جهود بسيطة لكن مستمرة.
هذه النماذج تثبت أن التغيير يبدأ بمبادرة واحدة وإيمان بالقدرة على التأثير داخل الوطن رغم كل الظروف المحيطة.
جهود الدولة والمجتمع لتمكين الشباب وتحقيق أحلامهم
تحسين وضع الشباب في تونس يحتاج إلى تضافر الجهود من الحكومة والمجتمع المدني.
مع تعاظم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، لم تعد المبادرات الفردية كافية وحدها.
انطلقت عدة سياسات وبرامج تستهدف دعم الشباب، وتوجيههم نحو مسارات تحقق طموحاتهم داخل وطنهم.
المبادرات الحكومية، والعمل الجمعياتي، والاستثمار في التكنولوجيا أصبحت جميعها محاور رئيسية في هذه الرحلة.
برامج التكوين والتشغيل الحكومية
ركزت الحكومة التونسية مؤخراً على برامج تهدف لتقليص البطالة بين الشباب وتحفيز المهارات المطلوبة في السوق.
من أبرز هذه البرامج نذكر "عقد الكرامة" الذي يوفر فرص تدريب وتشغيل للخريجين الجدد، خاصة في القطاعات التقنية والخدمات الحديثة.
كما توسعت مشاريع التكوين المهني لتشمل حرف ومهن جديدة تتناسب مع التحولات الاقتصادية محلياً وعالمياً.
التجربة أظهرت أن الشراكة مع المؤسسات الخاصة تمنح فرصًا إضافية لتوظيف الشباب بطريقة عملية وفعّالة، رغم التحديات الإدارية التي ما زالت قائمة أحيانًا.
دور الجمعيات والمنظمات غير الحكومية
الجمعيات النشيطة صارت نقطة قوة للشباب الباحث عن تطوير الذات أو الدعم النفسي والمهني خارج الإطار الرسمي التقليدي.
عدة مبادرات مثل دورات القيادة المجتمعية أو مراكز الاستماع والدعم توفّر بيئة آمنة تسمح للشباب باكتشاف نقاط قوتهم ومهارات التواصل لديهم.
هذا الدور يبرز بوضوح في المناطق الداخلية حيث تقل فرص التشغيل الرسمية ويزيد الضغط الاجتماعي، فتكون الجمعيات سنداً عملياً للمواهب الجديدة وأصحاب الأفكار الريادية.
التكنولوجيا والابتكار كوسيلة للتمكين
تسارع التحول الرقمي خلق أمام الشباب مجالات لم تكن متاحة قبل سنوات قليلة فقط.
اليوم يستطيع شاب تونسي العمل عن بعد لصالح شركات عالمية دون مغادرة منزله، أو تلقي تكوين رقمي مجاني عبر منصات تعليمية حديثة يديرها شباب من تونس أنفسهم.
رواد الأعمال الناشئين وجدوا في مجال البرمجة والتسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي فرصًا واعدة لكسر الحواجز التقليدية أمام العمل والإبداع. وفي كل ذلك تظهر قصص نجاح لافتة تلهم بقية الجيل الجديد وتغيّر نظرتهم لمستقبلهم المحلي والعالمي.
خاتمة: بين الحلم والواقع... أي مستقبل ينتظر شباب تونس؟
مستقبل الشباب التونسي يتوقف على قدرتهم في تحقيق توازن بين أحلامهم الشخصية وما يتيحه الوطن من فرص.
رغم صعوبة الظروف وتعدد المغريات في الخارج، يظل الإيمان بالذات والرغبة في التغيير من الداخل هما نقطة الانطلاق الأساسية.
كل تجربة نجاح تؤكد أن تونس ليست مجرد محطة انتظار للهجرة، بل أرض يمكن أن تحتضن الطموح وتمنح الأمل لمن يبحث بجدية عن فرصته.
يبقى الأمل قائماً بأن يرى الشباب مستقبلهم هنا، ويبنون وطناً قادراً على مواكبة تطلعاتهم واحتضان أحلامهم بلا حدود.